أكذوبة أَنتِ
إِلَى مَتَّى
يَا قَلْبِي أَمَا كَفَاك
مستلقيَاً تصر افتراشه الردى
تهِيم فِي فضاء مَن الأحْلام
تُسَبِّح فِي مُدَارَات المدى
أَلَم تَزَل للسراب عاشَقّا
تتوَهَمه الْهَوَى
كَفَاك مَا هطل مَنها أدمعا قَد ذَابَت مَنك المقُل
تبُدَد سَوَاد نورها مكحلا بِأَبْيَض العمى
لقَد استبد بِك السَّهَر هَجَّر عَيْنَاك الَكرى
خلسة تخطفَهَا الغفوة مَن أَوراق الشجر
في سُكِّرة السحر
فَكَيْف للحنظل طَعِم الْعَسَل ؟
أَو لَسْت بِالأمْس افْتَرَشْت الَهنا
مَنعمَا تستحم بِنُور القمر
وَالْيَوْم عَلَى رصيف الْبُؤْس
مضطجعاً تلتحف الْهَمّ
مَالَك و الْهَوَى ؟
أَتَظُنّ وصالَها نَعِيم وقربَها الرضا
فَهَا هِي رواسيه الْحَبّ تهدم
و قُلاعه تدك وتردم
فجرحك لا ضمَادة لَه
كَفَاك أفق
مَن عَقَارَه قَدحك و الَنوى
اغْسِلْهَا عَيْنَاك بيقين مَا جَرَى
أَهُو حَلَم عَابِر بيقظتك انزوى
أَم أنها حَقِيقَة راسخة أَرْكَانِهَا
عَلَى أديمه الثرى
أجبني مَاذا تَرَى ؟
أهِي لَوْح مَن بلور تَنَاثَر بريقها
أَم أَنَّها سَبِيكَة الأصيل العسجد
أَلَيْس الْفَرَق بَيْنهمَا يُوجَد ؟
لا تكابر فِي فجور
تعتلي مَتْن الْغَرُور
قِف تُمْهِل
قَد ملتك لمَاها الَكؤوس
فلمَا العناد وَلَمَا الَنكوص
فِي اللَّيْل كعشواءٍ عَلَى الشَّوْك تدوس
أَمَا أهابتك ضاريَات الَوْحوش
مَا بَيْن رَجَاء الليَالي
ونهارٍ قانط بَه و يئوس
فلَسْت وَحْدَك مَن خَاض غماره الْحَبّ
وَلَن تدون بدفاتر العاشَقّين
ولا حتى بَهامش القاموس
فكُلمَا أتسع الَهَجَّر زَادَك باللقيَا اليقين
هَل صَحِيح اعتقادهم هَذَا المحبَيْن ؟
فجمَار الشوق تكويني
و زَاد الْهَمّ يرويني
مَدَدْت قوافل الشوق إِلَيْه أشرعة
بارع هو بَهَجَّر ميَاديني
يَا قَلْبِي
امْح كُل مَا بلَوْح خاطرك
لا تَنْتَظِر غَيْثًا مَن السمَاء
ولا مزناً بَعَد اليوم
جَفَّت دُمُوعَهَا حِين المساء
لا ترتجي أَن تَنْبُت الجذوع مَن الحطام
و لا مَن أخرس عَذْب الَكُلام
هَل تأَمل مَن عَاقِر الأرض إتيَانها جَنِينًا
لَن يَنْبُت فِي أَصَمّ الصخور
شوكا و لا زيتونا ولا تينا
كَفَاك كَفَاك
يداك هَذَا مَا اقترفته
للَهفتك لِجَزِيل عطايَاك
أَمَا سَلَكَت لَه الدَّرْب شفافا
وَهَبَّت لَه الْعُمُر أجملَه
تختَزَل لَه بَعَد المسافات
بُدَد كُل أحلامك
قائلَها أَنا أَعِيشها اللحظات
ضللَك بِكاذب بارقة
مَن يَرِد إِلَيْك جَنَاحَك المكسور
مَن يشرح لَك تفاصيل الخارطة
مَن يسمعك لحنا شجيَا
عكراء حيَاتك بلا صفاء
مَن يخلصك مَن هديل المساء
كَيْف لزفرات التمرد أَن تنزوي
إِلَيّ أَي صَدَر حنون ترتمي
كَيْف تعتليها للَنجاة السفِينة
مَن يمَنحك أكفاً دافئة
لتنام فِي أحضان السكينة
لَيْت مَا كَنَت و لا حِكَايَة كانت
خناجر غَدَر بأحشائي نامت
سَلَكَت لَه دَرْب الْوَفَاء أَمَنية لا اعوجاج بَه
خُيُوط الشَّمْس مغزلَه
أسفِي قطَّعها الغَدَر إرباً فمَا استقامت
رسمت لَه ملامْحه صارية بِنُور الخيَال شفافا
مزق ثَوْبَي الَّذِي نسجته مَن مغزل العفاف
يَصْرُخ بَيْن يَدَيْه و لا يستجديه لَه هتافا
أكذوبة أَنتِ
تَرَى مَن بالغَدَر أرضَعك
مَن ثَدْي الخيَانة ليَشْبَعك
مَن لقمم الْغَرُور يَرْقَى بِك يرفعك
كَنَت ثَوْبًا مَن الدِّيبَاج متقن صنعه
؟ كَيْف اهترأ
تَرَى مَن باللؤم أرقعك ؟
أكذوبة أَنتِ
سكَنَت بقَلْبِي عَاشَت بمسمعي
سهمَاً ممشوقا أَصَاب عيني
فَسَال مَنها دمَا بلا أدمعي
كَفِّاك كَفَاك يَا قَلْبِي
بِوَجْهِك يَشْتَعِل الشَّفَق
أَين ابتسامتك أَين الَنور المهَلل
طُمِسَت معالمه بديجور الغسق
سَوَاده بَات كرمَاد حَرِيق مشعل
أَمَا آن لَك تتَعَلَّم
كَيْف تَدُور الرَّحَى تَحْت ظلال السيوف
كَيْف لَك تصد أَطْرَاف الرمَاح
أَمَا كَفَاك مَن تجارب
تَعَلَّم كَيْف يَكُون الصَّبْر عَلَى الجراح
اسقيها رَوْضَة قُلبِك أَرْوِي يَبِس حقولَك
أَمَا أَصَابَها الْجَدْب تَحْتاجك أشبعها
أَسْقِيَهَا بنفحات الَنسيَان فتراها اهْتَزَّت و ربت
و العصافِير أفنانها عششت
شَقّ ظلام اللَّيْل لتصنع مَنه الَنهار
امْحيها تلَك الصحائف اللَّيْلية
لا تَدَّع عواطفَهَا إِلَيْك تنثال
لا تدَاعبِك ذكراها لا تحن للقيَاها
قُل لَها الرُّجُوع إِلَيْك محال
ضَع قُلمك بَيْن أَصَابعك
أَمحو مَا بخلد الليَالي مَن وَهَم الأفكار
لا يستعطفك توجعه القُلم
لأَنه بَات يَغْشَاه الانهيار
فلا تَرْكُض مُسْرِعًا إِلَى الوراء
لا تذل نفساً أَبَيْة لا تَدَّعها يَسْخَر مَنها الرصيف
يَشْبَع مَنها العراء
تَمَتَّع بَها أَيَامك ربيعا لا خريف
لا تَدَّع ضحالة خيَالَك تسحق أطواد ذاتك
قُل لَها أكذوبة أَنتِ بِكُل لغات الحواس
تجردتِ مَن ثَوْب الْوَفَاء
فَإِنَّه مَا توشح يسراك قُلب
و لا أَنتِ بِنَهَر مَن عاطفة وحب
ربمَا تَكُونِي شبحا بَهِيئة إنسان
فلا دَاع للمراثي و العزاء
بلا شَكّ أَنتَ يَا قَلْبِي
أضَعت الدَّرْب و أَخْطَأَت بالعنوان