عرض مشاركة واحدة
قديم 02-21-11, 10:20 PM   #2
بحــر المحبــه..
كوفي متألق


الصورة الرمزية بحــر المحبــه..
بحــر المحبــه.. غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2615
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 المشاركات : 794 [ + ]
 التقييم :  203
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: شرح وصايا لقمان الحكيم لابنه..



فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دخل الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ على النبي صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ وقال: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لم تُصَلِّ فَرَجَعَ يُصَلِّي كما صلى ثُمَّ جاء فَسَلَّمَ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لم تُصَلِّ ثَلَاثًا، فقال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فقال: ( إذا قُمْتَ إلى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ من الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتى تعتدل قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حتى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذلك في صَلاَتِكَ كُلِّهَا )(7).
وقوله : ( اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ من الْقُرْآنِ ) هذا مبين بقوله عليه الصلاة والسلام ( لا صَلاَةَ لِمَنْ لم يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) ، بعض المذاهب كالمذهب الحنفي يتعلق بقوله (اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ من الْقُرْآنِ ) قالوا : يقرأ المصلي أي آية ولو ( مُدْهَامَتَان ) تكفي ! هذا غلط؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بين المراد من قوله (ثم اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ من الْقُرْآنِ) بقوله عليه الصلاة والسلام لا صَلاَةَ لِمَنْ لم يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) ( من صلى صَلاَةً لم يَقْرَأْ فيها بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلاَثًا غَيْرُ تَمَامٍ ) (8)خداج يعني؛ ميتة مثل جنين الناقة يخرج سقطا ميتا لا فائدة فيه .
وتصلي خاشعًا لله مستحضرا عظمته سبحانه وتعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ .. ) إلى آخر الآية الكريمة، الشاهد منها: الخشوع في الصلاة؛ الخشوع هو روح الصلاة، وصلاة لا خشوع فيها ولا استحضار فيها لعظمة الله سبحانه وتعالى ولا تدبر لما يقرأه المصلي فيها خلل شديد؛ يكفي أنه لا يصدق عليه هذا الوصف ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ) يُحرم من هذا الثناء ومن هذا المدح العظيم .
فاحرص على أن تخشع في صلاتك؛ أن تنسى الدنيا؛ تنسى المال والعيال وتنسى كل شيء ولا يبقى في ذاكرتك إلا استحضار عظمة الله سبحانه وتعالى وتدبر ما تتلوه من الآيات التي تزيدك إيمانا .
ثم بعد ذلك تقرأ التشهد وتسلم ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) فلا تخرج من هذه الصلاة بشيء إلا بالتسليم (السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) تُسلم على نفسك وعلى الملائكة وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض؛ هذا السلام يبلغ كل عباد الله (السلام عليكم ورحمة الله) يتناول الملائكة ومؤمني الجن ومؤمني البشر كل صالح في السماء والأرض يتناوله هذا الدعاء فكما يدعو الواحد لنفسه يدعو لإخوانه ويدعو للملائكة أيضا، هذا الدعاء لهم، والملائكة يدعون لنا فنكافؤهم .


فتستحضر أن هذا السلام على كل عبد صالح تكسب أجرا عظيما وإنما الأعمال بالنيات وقد يسلم الإنسان وهو ناس ما يدري على من يسلم ويظن أن السلام مجرد حكاية !
لا بد أن تقصد هذا الأمر العظيم الذي نبهنا عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام .
فهذا هو معنى إقامة الصلاة، وتصلي كما كان رسول الله يصلي ما تصلي بكيفك ولا على أي مذهب كما تريد، وإنما كما كان رسول الله يصلي اسأل وادرس واعرف كيف كان رسول الله يصلي وحاول أن تصلي كصلاته كأنما هو أمامك الآن قائم ويقرأ ويركع ويسجد إلى أخره كما رأيته يصلي، وقد حفظها لنا الصحابة بكل دقة، ونقلوا كل حركة في صلاته عليه الصلاة والسلام، فنحاول أن نعرفها فنصلي كما كان رسول الله يصلي فإنه خير المقيمين لهذه الصلاة وخير القائمين بها عليه الصلاة والسلام فنتأسّى به ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )(الأحزاب 21) .
ثم قال بعد ذلك ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) .


يعني أن هذه من الأمور الواجبة المتحتمة؛ هذا منهج أصيل في دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ إقام الصلاة وإيتاء الزكاة -وهي ما ذكرت هنا- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى، وهذه أمور محتّمة يعني من واجبات الأمور ومعزوماتها التي حتمها الله على عباده، فلابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابد من إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولابد من الصبر؛
الصبر واجب على ما ينالك يصبر المؤمن ويحتسب، يأمر بالمعروف، يأمر بالتوحيد، ينهى عن الشرك، يأمر بالصلاة، يأمر بالزكاة، يأمر ببر الوالدين، يأمر بذكر الله، يأمر بالطاعات، حتى يأمر بالمستحبات فإنها من المعروف؛ الأمور المستحبة تعلم الناس إياها وترغبهم فيها وتدعوهم إليها وتبين لهم الآثار السيئة على التهاون فيها.
النهي عن المنكر؛ تنهى عن الشرك، تنهى عن المعاصي، عن الكبائر، عن الصغائر، عن أنواع الفسوق والمعاصي كبيرها وصغيرها، هذا هو المنكر .
المنكرات أول ما يدخل فيها الشرك، ويدخل فيها البدع، ويدخل فيها المعاصي كبائرها وصغائرها؛ فإن المنكر ضد المعروف .


المعروف ما يعرفه الشرع ويدعو إليه، والمنكر ما ينكره الشرع ويستحقره ويحذر منه وينهى عنه؛ فتأمر بكل معروف بدءاً من التوحيد إلى آخر حسنة من الحسنات إلى الأمر بإماطة الأذى عن الطريق؛ فإن ( الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) (9) فأنت تأمر بهذا المعروف بدءًا من لا إله إلا الله مُرورًا بالصلاة، بالزكاة، بالصوم، بالحج، بِبِرّ الوالدين، بالأخلاق الطيبة إلى أخره إلى آخر شيء وأدنى مراتب الإيمان: إماطة الأذى من الطريق؛ هذه كلها من الإيمان ومن المعروف الذي يجب أن يقوم به المسلمون .
والمنكر: الشرك والبدع والكبائر والصغائر والمعاصي والأخلاق المنحرفة وإلى أخره؛ كل ما ينكره الشرع والعقل؛ العقل السليم الذي يوافق الشرع كل ذلك منكر والتقاليد السيئة واتباع الأعداء والانقياد لهم والتشبه بهم وإلى آخره .
أنظر ! عندنا كثير من الشباب يكشفون رؤوسهم ! من أين جاءتهم هذه العادة؟ من الغرب، فيجب أن نخالفهم ولا نتشبه بهم (مَن تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فهو مِنهم). (10)


كان كشف الرؤوس من خرم المروءة عند المسلمين؛ يعني الذي يمشي في السوق كاشفا رأسه عندهم مخروم المروءة ولا يقبلون شهادته، فتخلصوا من تقليد الغرب ومن تقاليده السيئة -بارك الله فيكم- لا تقلدوا أعداء الله، عندنا معروف وعندنا أخلاق وعندنا عادات عالية رفيعة، وهم عندهم عادات ساقطة؛ يأكلون لحم الخنزير ويستبيحون المحرمات وهبوط أخلاقي لا نظير له ودياثة و... و... إلى آخره، فكيف نتشبه بهم وهم أسقط خلق الله وأحطّهم ؟! لا نتشبه بهم أبدا -بارك الله فيكم- هذا من الأخلاق التي سنتكلم عنها .


ثم قال : ( وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ )
الصعر هو الميل؛ لا تتكبر على الناس؛ عندما يكلمك أحد تدير خدّك هكذا؛ هذا من الكبر يكلمك أحد فتعرض عنه وتلتفت هكذا وأنت شامخ؛ لا هشاشة ولا انبساط؛ يعني مستكبر ومتعالٍ !
فهذا نهي عن الكبر، ومن آثاره أن يلوي عنقه هكذا؛ يصعر خده للناس يعني يلويه هكذا .من الصعر وهو مرض يصيب الإبل فتلتوي أعناقها .
فهذا زجر عن الكبر، فعليك بالتواضع؛ التواضع لله رب العالمين، والتواضع لعباد الله المؤمنين، تعامل مع الناس بالأخلاق الطيبة، والكبر مذموم جدا ويدفع كثيرا من الناس إلى الكفر بالله! يستكبر فلا يستمع للرسل ولا يسمع لآيات الله ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (لقمان 7) .
فالكبر من أكبر الدوافع إلى الكفر بالله ورفض ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام و ( الكِبْرُ بطر الحق وغَمْطُ الناس ) (11) وردّ الحق؛ يعني سواء رد الحق بما في ذلك التوحيد أو أي حق من الحقوق يأتيك فلا تخضع له وترفضه وتحتقر من يأتيك به؛ تغمط الذي يأتيك به وترد الحق الذي عنده .


ولا يجوز الكبر بأي حال من الأحوال؛ خلق ذميم ويبغضه الله ( الكبرياء رِدائي والعظمة إِزاري فَمن نازعني واحدًا منهما قَذفتُه في النار)(12) وفي رواية ( الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته ) يعني يهلكه ويقطع دابره، فلا تستكبر و ( لا يدخل الجنة مَنْ كان في قَلبه مِثقال ذَرَّة مِن كِبْر)(13) .
حارب نفسك من الكبر؛ خلق خبيث يدفع إلى الكفر وإلى احتقار الناس وإلى رد الحق. لهذا؛ هذا الحكيم وصى ابنه أن لا يصعِّر خده للناس؛ أن لا يتكبر على الناس؛ يكلمك أحد وأنت شامخ معرض عنه، تواضع؛ أنت إنسان مسكين، ضعيف، خُلِقت من تراب، خُلِقت من منِّيٍ قذر وتتغوط وتزور الحمام مرات كل يوم، كيف تتكبر ؟!
كيف تتكبر على الناس وأنت هذا حالك، من أنت ؟!
ثم لو تصيبك شوكة تبكي منها كيف تتكبر على الناس ؟!


فيجب على الإنسان أن يهين نفسه إذا تكبرت وشمخت ويذكِّرها بحقارتها ودناءتها، وأن من أحقر الناس المستكبرون -والله أنا في نفسي- ما أحتقر إلا المستكبرين والكذابين، والله أرى أضعف الناس فأقول هذا أحسن مني، وأرى المتكبر مهما كان من أي طبقة والله من أتفه الناس وأحقر الناس عندي؛ لا أحقر من المتكبر ولا يتكبر إلا من دناءة وانحطاط خلقي ونفسي .


( وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) لا تختل ولا تفخر هذا من آثار الكبر؛ المشي المَرِح والبطر والأشر والاختيال، ? إن الله لا يُـحِبُّ كُل مُختال فَخُور ? يفتخر على الناس بنسبه، بجاهه، بماله، بسلطانه، بعلمه، بأي شيء يختال على الناس ويفتخر عليهم ؟! الله يبغض هذا الخلق؛ خلق بغيض، خلق دنيء، يبغض الله أهله ويحتقرهم ويزدريهم ويعاقبهم أشد العقوبة على هذا الخلق؛ إذا ما أحبك الله فما معناه ؟! معناه أنك عدوٌّ لله إذا ما أحبك الله، وأنت على كبر واختيال وافتخار وتطاول على الناس بأي شيء من الأشياء التي تفتخر بها ( وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ) (الإسراء 37 ) .


من أنت ؟! حتى لو بلغت الجبال طولا لا يجوز لك أن تتكبر، وحتى إذا خرقت الأرض إلى الأرض السابعة لا يجوز لك أن تتكبر؛ لأنك مخلوق مسكين، ومن حق الله عليك أن تتواضع، والله فرض عليك التواضع وحرم عليك الكبر؛ لأن الإسلام يحارب الأخلاق الرذيلة أشد الحرب؛ كل الأخلاق الرذيلة يحاربها الإسلام؛ الفحش والكذب والخيانة والغش والكبر ؛كل الأخلاق هذه يحاربها الإسلام حربا شديدة، فيجب أن ننبذها وأن نربّي الناس على ضدها من الأخلاق الطيبة التي يحبها الله تبارك وتعالى ويرضاها ويحب أن نتخلق بها، وحسن الخلق من أثقل الأعمال في الميزان يوم القيامة، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، والرسول بعث متمما بمكارم الأخلاق؛ الأخلاق موجودة عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، منها الحياء ومما أثر عنهم ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت )(14) .
الحياء خلق كبير -يا إخوة - الحياء خلق عظيم وشعبة من شعب الإيمان، وصاحب الحياء يحجزه الحياء من أن يرتكب معصية الله؛ يحجزه الحياء من أن يقع في الأخلاق الدنيئة؛ الحياء خلق نبيل وخلق عظيم لابد أن يتخلق به الإنسان؛ فإنه من أعظم الروادع للإنسان أن يرتكب معصية أو يقع في خلق دنيء، لهذا قال الأنبياء كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ مِما أَدركَ الناس مِن كلام النبوة الأولى إذا لم تَستحِ فاصنع ما شِئتَ )، الذي يقع في الشرك لا يستحي من الله، المبتدع لا يستحي من الله ولا يحترم هذه الشريعة التي شرعها الرسول عليه الصلاة والسلام، والفاسق عنده خلق دنيء وفيه عدم الحياء من الله.


فالحياء لا بد منه -يا إخوان- ولابد من نبذ الأخلاق الرديئة، تعلموا هذه الأشياء وطبقوها في حياتكم -بارك الله فيكم- وأذكر حديث وفد عبد القيس :


جاء وفد عبد القيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا قريبًا من البقيع ووضعوا رواحلهم هناك ومشوا فورا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وبقي الأشج؛ تأخر ولبس أحسن ثيابه وجاء يمشي في سكينة وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: ( إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله: الْحِلْمُ وَالأَنَـاةُ ) يقابل الحلم والأناة: الطيش والسفاهة فحذار حذار مما ينافي هذين الخلقيين، فقال: يا رسول الله : أخلقين تخلقت بهما ؟ أم خلقين جبلت عليهما ؟ فقال: ( بل خُلقان جُبِلْتَ عليهما) فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله تعالى (15).


الله يُحب الحلم والأناة ويبغض العجلة والطيش وما ينافي هذين الخلقيين فاحرصوا على التخلق بهذين الخلقيين الذين يحبهما الله .


احفظوا هذا الحديث ( إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ) والإنسان إذا كان يفقد مثل هذه الأمور العظيمة يربي نفسه عليها، ( من يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ الله وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ من الصَّبْرِ) (16) ربِّ نفسك على الصبر وعلى الحلم وعلى الحكمة وعلى الأخلاق العالية .


بجهادك لنفسك تتحول هذه إلى ملكات إن شاء الله والحديث يشير إلى هذا (أخلقين تخلقت بهما) يعني قد ينشأ الحلم والأناة عن التخلق وتربية النفس على الأخلاق الكريمة، فالنفس قابلة للتربية على الخير وعلى الشر ،إن ربيتها على الشر نمت عليه وألفته وصار من طباعها -والعياذ بالله- وإن ربيتها على الأخلاق الكريمة تطبعت بها وصارت جزءً من حياتها وصارت ملكة لصاحبها .
فاحفظوا هذه الوصايا: التوحيد ومحاربة الشرك وإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخلاق الفاضلة العالية؛ محاربة الكبر والفخر والخيلاء وما شاكل ذلك، وتعلموا الحلم والأناة وكل هذه الأخلاق، ادرسوها من كتاب الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن هذه الأخلاق جانب مهم من جوانب الإسلام ومن صميم الدعوة السلفية، بها تنتشر دعوتكم ويرفع الله مكانتكم عند الناس، وبخلافها توضع هذه الدعوة وتشوه أمام الناس.


فأحسنوا الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (النحل 125) لا تجادل حتى الكافرين إلا بالأخلاق الطيبة وبالتي هي أحسن؛ لا سب، ولا شتم، لا احتقار، ولا ازدراء، ولا طعن، ولا صياح، ولا صخب، ولا شيء.


( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) .
( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) أي لا تسرع، ( وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ) يعني لا ترفع صوتك إلا بقدر الحاجة .


وقال له: ( إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) إذا رفعت صوتك بغير حاجة؛ تدعو إلى رفع الصوت وبمقدار ومقياس دقيق في رفع الصوت فأنت تشبه الحمار، وأخذ العلماء من هذا أنه لا يجوز رفع الصوت؛ لأن الله شبهك بأخس الحيوانات، و ( ليس لنا مثل السوء ) (17) فلا ترفع صوتك إلا بقدر الحاجة؛ إذا كان عندك واحد أو اثنين وأنت تصيح وترفع صوتك ماذا تريد ؟! هذا يشبه صوت الحمير؛ فالصوت يكون على قدر الحاجة .


والمشي كذلك؛ تمشي معتدلا متوسطا، يعني القصد الوسط؛ لا تمشي مشية المتماوتين ولا تسرع سرعة الطائشين توسط في المشي واعتدل وهي مشية عباد الله المؤمنين ( وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْنًا وإذا خَاطَبَهُم الجاهلونَ قَالوا سَلاَمًا ) إذا خاطبهم الناس بالسفاهات يقولون كلاما محترما الذي فيه السلام وفيه المسالمة وفيه دفع السيئة بالتي هي أحسن .


نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والأخلاق الطيبة الجميلة التي يحبها الله تبارك وتعالى، وأرجو -يا إخوة- أن نعي هذه الدروس الطيبة؛ ما الفائدة من حضور هذه الدروس يوميا ثم لا نعمل، ونعطي صورة سيئة عن دعوتنا ما الفائدة ؟!
فأسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم من أهل العلم والعمل والأخلاق النبيلة إن ربنا سميع الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .


منقول